الثلاثاء، 2 مارس 2010

من الطبيعي أن يدافع عن بلاده ، لكن ليس طبيعيا أن تؤيده يا دكتور

الدكتورالذى أقصده هو الدكتور عبد المنعم سعيد ، و هو غنى عن التعريف ، والذى أصبحت لديه فكره تستحوذ على جل تفكيره ، ويطرحها في كافة مقالاته الطويييييييييييييييله جدا ، حيث يتمتع بتوجه أيديولوجي يعمل كالبوصلة المتوجهة دوما نحو الشمال . ولكي يؤكد على فكرته العظيمة يسوق الأمثلة التى أتوقف عندها طويلا ، و أدرك سبب وجود هذا الرجل المناسب في مكانه المناسب تماما ، و أخر تلك الأمثلة التى استشهد بها في مقاله المنشور بتاريخ 27/02/2010 و بعنوان "من القاهرة تغيير حالة الوطن ؟" ، حيث وردت هذه الفقرة في بداية المقال : "كان الوقت في نهاية السبعينيات عندما شاركت زميلا بريطانيا في حجرة جماعة الدارسين للدكتوراه‏,‏ الذين يقومون بالتدريس للطلبة في الوقت نفسه بجامعة شمال إلينوي بمدينة ديكالب الصغيرة‏,‏ والقريبة من شيكاغو في ولاية إلينوي بالولايات المتحدة الأمريكية‏.‏ وكما هي العادة في مثل هذه الأحوال كانت هناك مناقشات كثيرة حول ما ندرسه‏,‏ وما نحاضر الطلاب به‏,‏ وعن تاريخ بلادنا وما جري فيها من أحوال قريبة وبعيدة‏.‏ وكان طبيعيا أن يحضر بين طالب مصري وآخر بريطاني تاريخ العلاقة بين مصر وبريطانيا‏;‏ ولما كنت مشبعا في ذلك الوقت بالرؤية المصرية وحدها القائمة علي أن الاستعمار الإنجليزي كان السبب في تخلف مصر‏,‏ وأن الغني البريطاني جاء نتيجة استنزاف ثروات الشعوب المستعمرة‏,‏ فقد فاجأني زميلي بغضبه الشديد‏.‏ وكان منطقه يقوم علي أن تقدم المملكة المتحدة راجع أساسا إلي التضحيات التي قدمها شعبها‏,‏ وراح يعدد ليس فقط المنجزات التكنولوجية التي حققتها بلاده في فجر الثورة الصناعية وإنما التضحيات التي بذلها الشعب البريطاني من أجل الوصول إلي ما وصل إليه‏.‏ وكانت التفاصيل كثيرة من أول المدن التي ازدحمت وانهارت مقوماتها‏,‏ حتي القري التي هجرها أهلها بحثا عن ثروات مزعومة حتي انتهي بهم الأمر إلي الفقر والتسول والانهيار الخلقي المعنوي‏,‏ والنساء والأطفال الذين عملوا لساعات طوال دون شفقة أو رحمة أمام أفران الصلب المنصهر دون حماية أو وقاية فسقطوا في سن مبكرة صرعي للأمراض والمجاعات‏.‏ والحقيقة أن هذه الصورة الدرامية لم تكن بعيدة تماما عن الذهن‏,‏ فكنت قد قرأت بالطبع روايات مهمة مثل دافيد كوبرفيلد و أوليفر تويست اللتين صورتا الأحوال البريطانية إبان الثورة الصناعية‏,‏ ودرست أيضا خلال المرحلة الجامعية في مادة التاريخ الاقتصادي في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الكثير عن التضحيات المختلفة التي قدمتها الشعوب التي سبقتنا خلال مراحل متنوعة من التطور‏;‏ ولما كان بحثي في مادة الفكر السياسي يدور عن مفهوم ديكتاتورية البروليتاريا لدي كارل ماركس فقد كان لابد من قراءة الكثير من كتبه‏,‏ وكلها غنية بآلام عمليات التحول في المجتمعات الصناعية‏.‏ وعلي أي حال فقد استمرت المناقشات والحوارات‏,‏ وربما توصلنا إلي نقطة وسط بشكل أو آخر‏,‏ ولكن النتيجة المهمة كانت أن للتقدم ثمنا وتضحيات نادرا ما نتحدث عنها في مصر‏,‏ حيث تبدو الأمور بسيطة للغاية ولا تتعدي تعديلات دستورية في المواد‏76‏ و‏77‏و‏88,‏ وانتخاب واحد من أقطاب المعارضة‏,‏ ومن بعدها تصبح مصر بلدا مثل سويسرا‏,‏ أقل أو أكثر قليلا‏!.‏ هكذا فإن تقدم إنجلترا ونموها وفقا لرأى طالب الدكتوراه الإنجليزي لم يقم على أشلاء مستعمراتها في أفريقيا و الأمريكتين و أسيا وأستراليا ، و أصبح نتاجا للتضحيات التى قدمتها شعوبها ...سبحان الله لقد أصبح لى ذراع الحقيقة هو سبيل البعض لبث أفكار باطله تؤيد وجهة نظرة . أولا : من الثابت تاريخيا (و يمكن لمن أراد مطالعة فترة تاريخ الدول الإستعمارية فى القرن السابع عشر و ما بعده ،وفي فترة الثورة الصناعية تحديدا ) أن معاناة الطبقات الدنيا لشعوب أوروبا كان سببها جشع الطبقات العليا و نمو الرأسمالية المتوحشة وغياب العدالة الإجتماعية ، وكان ذلك هو السبب الرئيسى لقيام الثورة الفرنسية . فلم تكن تضحيات تلك الشعوب من أجل النهضة إذا ، بل كانت معاناة الشعوب بسبب الإستغلال البشع من قبل الطبقة الغنية في تلك البلدان للفقراء من أجل تحقيق تراكم للثروة ورفاهية لاحدود لها. ثانيا : من الثابت تاريخيا أيضا أن الحركة الإستعمارية نشأت من أجل خدمة الطبقات الغنية في المجتمعات الأوروبية ، ولكن خيرها عم على كافة فئات تلك المجتمعات ،في صورة فتح أسواق جديدة أمام مخرجات عجلة الصناعات الأوروبية ، واستنزاف الموارد و المواد الخام في المستعمرات بأبخس الأثمان (و أحيانا بدون ثمن على الإطلاق) . هل نسي طالب الدكتوراه الإنجليزي نشر الإستعمار الإنجليزى لعادة تعاطي الأفيون في الصين ، وقصف المدن الصينية من أجل إجبار حكومة الصين على اعتبار تجارة الأفيون تجارة مشروعة ، و السبب أنهم كانوا يبيعون هذا المخدراللعين للصينيين بالعملة الفضية و الذهبية (السم في مقابل الذهب والفضة). هل نسي طالب الدكتوراه الإنجليزي دخل قناة السويس الذى كان يصب في خزانة حكومته ، أو القطن المصري الذي كانت حكومته تأخذه بأبخس الأثمان لتتمكن من تشغيل مصانع المنسوجات بها بعد توقف عجلة الإنتاج بها نتيجة لتقف واردتها من القطن الأمريكي خلال الحرب الأهلية الأمريكية . هل نسي طالب الدكتوراه الإنجليزي ذهب وفضة أمريكا الجنوبية ، و ألماس و منتجات الجلود و المطاط و الكاكاو ،بل و المتاجرة في البشر(العبيد) في أفريقيا و أسيا. لصالح من تم إبادة الأبورجينيين (سكان أستراليا الأصليين) و الهنود الحمر(سكان الأمريكتين الأصليين) و الإستيلاء على أرضهم التى اعتبرها المستعمرون أرضا بلا شعب . ثالثا : إذا كان للتقدم ثمنا لم يدفعه المصريون بعد ، كما يرى الدكتور سعيد ، وهذا ظلم كبير لكل مصري ، فأظن أن القيادة التى تفشل في إدارة الوطن لمدة ثلاثة عقود هى الأولى بالتغيير. رابعا : ورد في المقال عبارة للدكتور سعيد تقول" و لما كنت مشبعا في ذلك الوقت بالرؤية المصرية وحدها القائمة على أن الإستعمار الإنجليزي كان السبب في تخلف مصر" ــ وهو يقصد بتلك الفترة فترة السبعينيات ، حيث عرف عن الدكتور سعيد أنه اشتراكي سابق ــ و أننى أتساءل هل يمكن أن يكتشف الدكتور سعيد بعد مرور الزمن و تغير أيديولوجية النظام الحاكم الحالي أنه كان مشبعا في ذلك الوقت بالرؤية المصرية(رؤية النظام الحاكم يعنى) و يغير وجهة نظره للتفق مع أيديولوجية النظام الحاكم الجديد؟ ربما