الأحد، 8 أبريل 2012

مصر ودلالات الحصار



كتبت : أماني مغاوري     
     في أول بيان لحكومة الإنقاذ أمام برلمان الثورة قال الدكتور الجنزورى أن مصر تعرضت لمخطط يستهدف محاصرتها ماليا واقتصاديا وفرض حظر على صادراتها بعد الثورة ،لا لشيء إلا لرفض المصريين الخضوع لحكم الاستبداد المدعوم من الغرب .
لقد أدركت حينها أن الثورة المصرية تسير في الاتجاه السليم ،وأن الحصار الإقتصادى ما هو إلا انعكاس لحالة الخوف من النتائج المترتبة على تعافي مصر واحتلالها لمكانتها الرائدة على الساحة الدولية ، حيث أنها لم تكن المرة الأولى التي يفرض فيها الغرب الاستعماري سياسة الحصار الإقتصادى على مصر عبر التاريخ ، ولنفس الدوافع ، فهم يخشون نهضة مصر التي قال عنها المفكر الكبير جمال حمدان أنها الدولة الوحيدة المؤهلة على مستوى العالم لتكون قوة عظمى حقيقية بما لديها من ثروات بشرية واقتصادية و موقع متميز ، فقط تحتاج لإدارة عبقرية لتحقيق ذلك
ومازالت صفحات التاريخ تذكر لمصر تحت حكم المماليك دورها في تحرير الشام من الاستعمار الأوروبي ، واسترداد مدينة عكا أخر معاقل الصليبيين في الشام في عام 1291 ميلادي ،حيث تمكنوا من طرد الصليبيين بعد أن تزايدت القوة العسكرية لدولة المماليك  نتيجة لتحكمهم في طرق التجارة بين الشرق والغرب المارة عبر أراضيهم  ،وتدفق أموال تجارة العبور على خزائنهم  ، عندها تأكد للبابا نيقولا الرابع (1288م-1292م)- الذي انتهى الوجود الصليبي في بلاد الشام التابعة لمصر آنذاك في عهده على يد السلطان المملوكي الأشرف خليل بن قلاوون- وخلفاؤه من باباوات كنيسة روما -الذين كانوا يلعبون دورا سياسيا محوريا في حشد الرأي العام الأوروبي ودفع الملوك والأباطرة لشن الحروب الصليبية آنذاك- أن كسر شوكة المماليك وعودة الاحتلال الصليبي للأراضي العربية لن يتم إلا بفرض الحصار الإقتصادى على مصر ، من أجل إضعاف اقتصاد دولته تمهيدا للقضاء العسكري عليهم .
وفي سبيل ذلك الأمر صدرت العديد من المراسيم البابوية الخاصة بتحريم التجارة – وخاصة الأسلحة والسفن والمعدات الحربية وسائر السلع الضرورية- مع دولة المماليك منذ أواخر القرن الثالث عشر وحتى منتصف القرن الرابع عشر الميلادي ، ووضعت جزاءات صارمة لمن يخالف هذه المراسيم ، تدرجت  من الغرامة المالية ومصادرة السلع ، مرورا بفقدان الحرية والاسترقاق ،حتى وصلت لأقصى عقوبة وهي الحرمان الكنسي .
بالطبع لم تنجح الكنيسة الغربية في مسعاها ،وحتى بعد أن أكتشف البرتغاليون طريق رأس الرجاء الصالح بالدوران حول أفريقيا ، وبالتالي فقدان دولة المماليك الأرباح التي كانت تحصل عليها من تجارة المرور ،مما أدى إلى تردي أحوالهم الاقتصادية ، لم يتمكن الصليبيين من العودة لاحتلال الشام مرة أخرى لبزوغ القوة العثمانية التي تمكنت من إخضاع المماليك هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى انشغال القوى الاستعمارية في إخضاع بلاد أفريقيا وأسيا والعالم الجديد لسيطرتها.
تكررت قصة الحصار الإقتصادى مرة أخرى بعد قيام ثورة 23يوليو 1952م  ، وسعى مصر لتحقيق نهضة اقتصادية بإقامة مشروعات تنموية كان أعظمها على الإطلاق  مشروع السد العالي بهدف الحصول على الطاقة الكهربية للإنارة وتشغيل المصانع ، عندها أيضا رفض الغرب الإستعمارى أن يقدم قرضا لمصر لتمويل بناء السد ، بالإضافة أيضا لفرضهم الحظر على واردات السلاح إلى مصر ، والهدف هو إضعاف اقتصاد مصر لتأمين بقاء الجيب الاستعماري الخبيث المسمى بالكيان الصهيوني في المنطقة ،وانتهى الأمر بالمواجهة العسكرية المباشرة في سلسلة من الحروب مع القوى الاستعمارية وحليفتهم إسرائيل  .
 الآن الثورة المصرية تسير في الاتجاه السليم مهما بدا من خلافات بين القوى المختلفة على الساحة السياسية ، حيث كانت البداية إزاحة الديكتاتور ورؤوس  الفساد الكبرى المحيطة بدائرة صنع القرار ، وسوف يتبع ذلك بمشيئة الله تطهير كافة مؤسسات الدولة من الفساد المتوغل في أركانها ، وذلك تمهيدا لإرساء قواعد الدولة الجديدة القائمة على الديمقراطية والعدل و المساواة بين كافة فئات الشعب المصري.