المعارض المؤيد و المعارض الحقيقي
رغم أن الصحف الحكومية المصرية تفرد المساحات الواسعة لبعض رجال المعارضة المؤيدين للحزب الحاكم كنوع من تجميل وجه الحكومة ، و حتى يقال أن حكومة الحزب الوطنى حكومة ديموقراطية ، إلا أننى لاحظت عدة إتجاهات في تناول تلك الصحافة الحكومية لما يتصل بقوى المعارضة الحقيقية و أنشطتها المختلفة ، فالواضح أن كتاب تلك الصحف الحكومية ينزعجون بشدة من أى نشاط معارض حقيقي ، و لا يرحبون سوى بالمعارضة المؤيدة ، فهم يعتبرون أن أي نقد للفساد و الديكتاتورية يعد عدوانا على مصرالدولة و ليس على من يوجه له النقد من النخبة المسيطرة على مقدرات البلد .
ومن هنا ظهر أتجاهان لمعالجة أنشطة المعارضة الحقيقية، الأول هو التجاهل التام ، و الثانى هو إلصاق النقائص بالمعارضين ، حيث تصف المشاركين في حركات المعارضة تلك بأنهم من الشباب و الشابات المنفلتين أخلاقيا ، أو المضللين من قبل جماعات محظورة ، و أن من تعدوا مرحلة الشباب منهم يبحثون عن الشهرة و الأضواء و المناصب ، بل و تدنت في وصف بعض الراغبين في ترشيح أنفسهم من المواطنين العاديين في الإنتخابات الرئاسية الماضية ، فوجدنا صحيفة كبرى تجري حوارات معهم بغرض التسفيه ليس إلا ، فوصفت أحدهم ب "العاطل" الذي يحلم بالعمل كرئيس ليضمن لنفسه راتبا ، و أظن أنه في بلد يعانى معظم أفراد شعبه من البطالة ، و تقتصر الوظائف العامة فيه على طبقة بعينها ، و على من يستطيع أن يدفع رشوة ، فإن انتخاب مثل هذا العاطل سيكون أمرا مؤكدا ، فهو ممثل لقطاع عريض من الناس ، و بالنسبة للمرشحين الأخرين ، فقد أشارت التحقيقات إلى أن أحدهم "مختل عقليا " حيث أجاب عن سبب ترشيحه لنفسه ضد الرئيس مبارك بأنه "هو كده" ، بينما وصفوا إحدى المرشحات بأنها "عانس " ، في الوقت الذي كانت تشغل فيه العانس رايس أرفع المناصب في الولايات المتحدة الأمريكية ، و كذلك فقد تعدت نسبة من فاتهم الزواج في مصر حوال تسعة ملايين رجل و أمرأة ، وفقا لما تنشره الحكومة من إحصاءات ، و هم بالقطع أعلى من نسبة من أدلوا بأصواتهم في انتخابات الرئاسة المصرية .
الطامة الكبرى و السقوط المدوى لمصداقية هذه الصحف الحكومية ، جاءت في تناولها لإستقالة المستشار الخضيري احتجاجا على الفساد الذي تمكن من فرض هيمنته على كافة القطاعات في مصر ، حتى وصل إلى تدخل السلطة التنفيذية و فرض سيطرتها على القضاء ، و قد أعلن الرجل في قناة الجزيرة أن مافعله هو صيحة احتجاج عالية ، و تسجيل لموقفه مما يجري من فساد على أرض المحروسة ، فهو كمواطن حر شريف يرى مايراه المصريون من نهب لثروات البلاد لصالح النخبة الحاكمة من رجال الأعمال ، و توجيه سياسة البلاد الخارجية لدعم الصهاينة الذين ارتبطت مصالحهم الإقتصادية مع مصالح تلك النخبة الحاكمة .
ففي الوقت الذى أشادت فيه الصحف المستقلة المحترمة ، بل وحتى صحف الكيان الصهيونى ، بهذه الإستقالة ، انطلقت من الصحف الحكومية حملة هجوم ضارية على المستشار الخضيري ، وظهرمن بين أصحاب الأعمدة الخاصة في تلك الصحف الحكومية من يهاجم المستشار الخضيري بمنتهى الحمق و الجهالة ، و يدعى أن مافعله المستشار الخضيري ليس إلا نوعا من الدعاية لمكتب المحاماة الذى سيفتتحه قريبا بالإسكندرية ، وسوف يقبل عليه أعضاء الجماعة المحظورة ......... السيد صاحب العمود الصحفى المحترم يتنبأ ليس فقط بالنشاط ( و هو واضح للجميع ، فأغلب القضاة المتقاعدين يمتهنون المحاماة ، و في حالة المستشار الخضيري سيكون ذلك الأمر مكسبا و فخرا للمحاماة بلا شك) و لكن يتنبأ بنوعية العملاء المترددين على المكتب المزعم أفتتاحه .
الصحفى المحترم الذي دأب على قراءة أفكار الناس وسردها في صورة تحقيقات صحفية ، لم يكلف نفسه عناء تقصى الأسباب التى أدت بصاحب المنصب القضائى الرفيع للإستقالة ، لو كان المستشار الخضيرى من فئة المعارض المؤيد لأفسحت لمقالاته صفحات الصحف ، لكن هذا الهجوم الفاجر يدل على أنه معارض حقيقي يستحق الإحترام.
هناك تعليقان (2):
مقال يستحق التقدير والإحترام
سلمت يداك وفكرك
وصدقت لا فض فوك
قد اسمعت لو ناديت حيا
إرسال تعليق